إن
المتأمل في حصص مادة التاريخ في التعليم
التونسي لا يرى سوى كم هائل من أسماء من
مروا على إفريقية تملأ آذان التلاميذ من
عليسة إلى البايات مرورا برومان و بيزنطيين
و هلاليين و عرب مسلمين..
و
لكن أين التاريخ الحديث من معارف التونسي؟
و ما مدى وعي التونسي بزيف كتب التاريخ
الحديث خصوصا و أنها تذكر إستقلالا في
أواسط الخمسينات من القرن الماضي و تتحدث
عن ثورة و إسقاط نظام في بداية العشرية
الثانية من هذا القرن؟
إن
إحتفال التونسيين اليوم بعيد "إستقلالهم"
الست
و الخمسين لا ينم إلا عن عدم وعي بكارثية
الوضع و عن فهم خاطئ للماضي و الواقع
الإستعماري الذي عاشته و تعيشه البلاد،
هذا الفهم الخاطئ لا يعود أساسا إلا لتعليم
ممنهج و تعتيم مقصود على حقائق التاريخ و
مفروض أساسا من الدوائر الإمبريالية، و
عليه يجب التطرق إلى ما مضى و الحث على
إعادة كتابة التاريخ بصفة موضوعية
بعد
خمس و سبعين سنة من الإستعمار الفرنسي في
تونس و قمع شعبها و نهب خيراتها و إستغلال
ثرواتها، تترك فرنسا كل دواليب تسيير
المصالح الإستعمارية في اياد أمينة وهي
اياد "المجاهد
الأكبر"،
بورقيبة الذي جاهد أساسا في ضرب الحركة
اليوسفية و القضاء على كل الثوريين
الوطنيين بتحالفه مع أسياده و مثال مسرحية
معركة الجلاء خير مثال لتورط ذلك العميل
الأكبر
و
لم ينتهي الإستعمار عسكريا بخروج آخر
جندي فرنسي من تونس في 63
بل
تواصل الإستعمار إقتصاديا و ثقافيا
بالأساس فبقيت مصادرة الثروات الفلاحية
و المنجمية بإعتبارها تباع بأبخس الأثمان
و ظل الفقر مكانه و ...
و
لكن برغم من ذلك نادت بعض الحناجر "يحيا
بورقيبة"
نتيجة
عجز في العقول التونسية البسيطة على إقرار
عمالة النظام و تحليل ما حدث.
لذلك
كل من يعتبر أن الإستقلال كان سنة 1956
أو
1963
هو
مخطئ لا محالة و أن الصواب يكمن في إعتبار
تونس شبه مستعمرة إن صح التعبير
و
حل التحول المبارك في اواخر الثمانينات
و جاء زين العملاء بجبة الولاء لتكريس
الهيمنة الإستعمارية في البلاد طيلة 23
سنة
من توليه زمام الحكم و خربت البلاد بتوحش
رأس المال و التشجيع على الإستثمار الأجنبي
في غياب إقتصاد وطني و تفاقمت المديونية
و إستفحل الفقر و الجهل و الأمية تحت
إحصائيات زائفة و تطبيق لمخططات خماسية
تافهة و واصل الغرب سياسة فرض السلطة على
"السيادة"
التونسية
إقتصاديا و تعليميا و ثقافيا و ...
و
تواصل نهب الخيرات و أضحى التونسيون في
ظل استغلالهم في قمة الذل و الخنوع يعيشون
أبشع صور الإستعمار بما أنهم كانوا كمثل
الروبوتات المبرمجة حسب ما ترضاه العقول
الغربية
و
لكن بما أن الظروف الإقليمية و الدولية
تفرض على الإمبريالية الصهيوأمريكية
تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير و شمال
إفريقيا، كان تغيير بيادق العملاء أمرا
لا مفر منه فاستغلت الحراك الشعبي (17
ديسمبر)
و
دبرت إنقلاب 14
جانفي
2011،
و كالعادة عاشت العقول التونسية العجز
عن تحليل الواقع تحت أفيون أسطول كبير من
إعلام ممنهج و ظن التونسيون أنهم قاموا
بثورة استنصرت للمفقرين و المهمشين و
الضعفاء من أبناء الوطن و أن المستقبل
سيكون ممتازا في ظل عدالة إجتماعية و
سياسة حكيمة إلا أن الواقع كان مخالفا
تماما بإعتبار أن الإمبريالية كانت سباقة
في فرض مخططها و استقطبت الحركة الإسلامية
المترعرعة في أحضان المخابرات البريطانية
لتكون البديل العميل بإمتياز و كان ثالوث
الخيبة على رأس البلاد منذ إنتخابات مهزلة
بإشراف أجنبي، ثالوث إختار صف الموالاة
للصهاينة على صف الشعب الكادح المفقر
المعطل عن الحياة، ثالوث لم و لن يطرح
بديلا منقذا للبلاد قائما على أسس علمية
في جميع المجالات بما أنه غير قادر على
ذلك
هو
ذا الإستعمار في أبهى حلله متواصلا على
يد الصماصرة و العملاء، و ما على الشعب
التونسي إلا أن يستفيق من سباته و يناضل
و يكافح ضد مستعمريه لأن القضاء عليهم
يخول له الإمساك بطرف الخيط، خيط التنمية
و البناء، خيط الرقي في سلم الحضارة
الكونية
تبعا
لم سبق أقول لمن كان يتصور أن في مثل هذه
الأيام من كل عام أصبح لتونس سيادة إنه
مخطئ وأ ن الإستقلال مازال يبعد مسافة
الوعي بضرورة التحرر والإنعتاق
العشرون
من مارس لم و لن يبقى سوى ذكرى لإستقلال
زائف
Rami Bouguera
0 comments:
Enregistrer un commentaire
Vos commentaires peuvent être d'une grande utilité pour nous pour s'améliorer et pour enréchir le débat...