20 mars 2012

العشرون من مارس لم و لن يبقى سوى ذكرى لإستقلال زائف


إن المتأمل في حصص مادة التاريخ في التعليم التونسي لا يرى سوى كم هائل من أسماء من مروا على إفريقية تملأ آذان التلاميذ من عليسة إلى البايات مرورا برومان و بيزنطيين و هلاليين و عرب مسلمين.. و لكن أين التاريخ الحديث من معارف التونسي؟ و ما مدى وعي التونسي بزيف كتب التاريخ الحديث خصوصا و أنها تذكر إستقلالا في أواسط الخمسينات من القرن الماضي و تتحدث عن ثورة و إسقاط نظام في بداية العشرية الثانية من هذا القرن؟

 
إن إحتفال التونسيين اليوم بعيد "إستقلالهم" الست و الخمسين لا ينم إلا عن عدم وعي بكارثية الوضع و عن فهم خاطئ للماضي و الواقع الإستعماري الذي عاشته و تعيشه البلاد، هذا الفهم الخاطئ لا يعود أساسا إلا لتعليم ممنهج و تعتيم مقصود على حقائق التاريخ و مفروض أساسا من الدوائر الإمبريالية، و عليه يجب التطرق إلى ما مضى و الحث على إعادة كتابة التاريخ بصفة موضوعية
 
بعد خمس و سبعين سنة من الإستعمار الفرنسي في تونس و قمع شعبها و نهب خيراتها و إستغلال ثرواتها، تترك فرنسا كل دواليب تسيير المصالح الإستعمارية في اياد أمينة وهي اياد "المجاهد الأكبر"، بورقيبة الذي جاهد أساسا في ضرب الحركة اليوسفية و القضاء على كل الثوريين الوطنيين بتحالفه مع أسياده و مثال مسرحية معركة الجلاء خير مثال لتورط ذلك العميل الأكبر
و لم ينتهي الإستعمار عسكريا بخروج آخر جندي فرنسي من تونس في 63 بل تواصل الإستعمار إقتصاديا و ثقافيا بالأساس فبقيت مصادرة الثروات الفلاحية و المنجمية بإعتبارها تباع بأبخس الأثمان و ظل الفقر مكانه و ... و لكن برغم من ذلك نادت بعض الحناجر "يحيا بورقيبة" نتيجة عجز في العقول التونسية البسيطة على إقرار عمالة النظام و تحليل ما حدث. لذلك كل من يعتبر أن الإستقلال كان سنة 1956 أو 1963 هو مخطئ لا محالة و أن الصواب يكمن في إعتبار تونس شبه مستعمرة إن صح التعبير
 
و حل التحول المبارك في اواخر الثمانينات و جاء زين العملاء بجبة الولاء لتكريس الهيمنة الإستعمارية في البلاد طيلة 23 سنة من توليه زمام الحكم و خربت البلاد بتوحش رأس المال و التشجيع على الإستثمار الأجنبي في غياب إقتصاد وطني و تفاقمت المديونية و إستفحل الفقر و الجهل و الأمية تحت إحصائيات زائفة و تطبيق لمخططات خماسية تافهة و واصل الغرب سياسة فرض السلطة على "السيادة" التونسية إقتصاديا و تعليميا و ثقافيا و ... و تواصل نهب الخيرات و أضحى التونسيون في ظل استغلالهم في قمة الذل و الخنوع يعيشون أبشع صور الإستعمار بما أنهم كانوا كمثل الروبوتات المبرمجة حسب ما ترضاه العقول الغربية
 
و لكن بما أن الظروف الإقليمية و الدولية تفرض على الإمبريالية الصهيوأمريكية تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير و شمال إفريقيا، كان تغيير بيادق العملاء أمرا لا مفر منه فاستغلت الحراك الشعبي (17 ديسمبر) و دبرت إنقلاب 14 جانفي 2011، و كالعادة عاشت العقول التونسية العجز عن تحليل الواقع تحت أفيون أسطول كبير من إعلام ممنهج و ظن التونسيون أنهم قاموا بثورة استنصرت للمفقرين و المهمشين و الضعفاء من أبناء الوطن و أن المستقبل سيكون ممتازا في ظل عدالة إجتماعية و سياسة حكيمة إلا أن الواقع كان مخالفا تماما بإعتبار أن الإمبريالية كانت سباقة في فرض مخططها و استقطبت الحركة الإسلامية المترعرعة في أحضان المخابرات البريطانية لتكون البديل العميل بإمتياز و كان ثالوث الخيبة على رأس البلاد منذ إنتخابات مهزلة بإشراف أجنبي، ثالوث إختار صف الموالاة للصهاينة على صف الشعب الكادح المفقر المعطل عن الحياة، ثالوث لم و لن يطرح بديلا منقذا للبلاد قائما على أسس علمية في جميع المجالات بما أنه غير قادر على ذلك
 
هو ذا الإستعمار في أبهى حلله متواصلا على يد الصماصرة و العملاء، و ما على الشعب التونسي إلا أن يستفيق من سباته و يناضل و يكافح ضد مستعمريه لأن القضاء عليهم يخول له الإمساك بطرف الخيط، خيط التنمية و البناء، خيط الرقي في سلم الحضارة الكونية
 
تبعا لم سبق أقول لمن كان يتصور أن في مثل هذه الأيام من كل عام أصبح لتونس سيادة إنه مخطئ وأ ن الإستقلال مازال يبعد مسافة الوعي بضرورة التحرر والإنعتاق
 
 العشرون من مارس لم و لن يبقى سوى ذكرى لإستقلال زائف 
 
Rami Bouguera

0 comments:

Enregistrer un commentaire

Vos commentaires peuvent être d'une grande utilité pour nous pour s'améliorer et pour enréchir le débat...